بدايةً من كانط،
قام الفلاسفة الغربيون بمحو المفكرين الغير غربيين من التاريخ
١٠ يناير ٢٠١٩
لويد ستريكلاند
أستاذ الفلسفة والتاريخ الفكري بجامعة مانشستر ميتروبوليتان، المملكة المتحدة
مدة القراءة: ١٥ق
إذا قمت بفتح أي كتاب نُشِر في الـ١٥٠ عاماً الأخيرة عن تاريخ الفلسفة، فعلى الأغلب أنك ستجد نفس القصة: نشأت الفلسفة على حين غرَّة في اليونان القديمة منذ حوالي ٢٦٠٠ عاماً مضت، حين افترض طاليس أن الماء هو المكون الأساسي للطبيعة، وتم إنماؤها بعد ذلك على يد الإغريق والرومان من بعدهم. وعلى مدار الـ٢٠٠٠ سنة الأخيرة، تستمر القصة أنه تم تطوير الفلسفة من قِبل مفكرين أوروبيين آخرين، خاصةً المفكرين الألمان الفرنسيين والبريطانيين، بالإضافة إلى إسهامات المفكرين الأمريكان على مدار القرنين الماضيين. وهو تلميح واضح أن أي شيء جدير بأن يطلق عليه اسم “فلسفة” قد نشأ وحدث في الغرب، وتحديداً في أوروبا الغربية وأمريكا.
ولكن الأمر لم يكن دوماً هكذا. أول كتاب باللغة الإنجليزية عن تاريخ الفلسفة، والذي نُشِر عام ١٦٨٧ من قِبَل توماس ستانلي، قام بعرض العديد من الفلسفات القديمة من الشرق، بما فيها فلسفات الكلدان والفرس والصابئة، والتي ادعي ستانلي أن الفلسفة الإغريقية نشأت منها. كتاب آخر باللغة الفرنسية عن تاريخ الفلسفة نُشَر عام ١٧٢٨ بواسطة أندريه-فرنسوا ديزلانديه قد احتوي على أكثر من مائة صفحة عن الفلسفة الغير أوروبية، بما فيها فلسفات الإثيوبيين، المصريين، الليبيين، العرب، والصينيين، والتي نشأت كلٌّ منها قبل نظيرتها الإغريقية. وقد احتوى كتاب ديزلانديه أيضاً على فصل طويل عن الفلسفة الإسلامية بالعصور الوسطى. وبنفس الأسلوب، قد كرَّست كتب أخرى من القرن الـ١٨ عن تاريخ الفلسفة قدراً كبيراً من المساحة للفلسفات القديمة التي سبقت الإغريق وأيضاً للفلسفات الإسلامية واليهودية بالعصور الوسطى. ولكن على نهاية القرن الـ ١٨، بدأ هذا بالتغير.
في قلب هذا التغيير كان أحد الشخصيات المحورية في الفلسفة الأوروبية، إيمانويل كانط (١٧٢٤ – ١٨٠٤). سعى تلامذة كانط لإعادة كتابة تاريخ الفلسفة على أنه تمهيد تدريجي لفلسفة كانط النقدية، معتبرين أنها هي الهدف الذي كانت تسعى نحوه كل الفلسفات السابقة. ولتحقيق هذا، قاموا بوضع معايير، مستمدة من أعمال كانط، لما يمكن اعتباره أنه فلسفة، وبحركة واحدة، ضمنت هذه المعايير أن جميع الفكر الغير غربي لن يرقى لأن يكون فلسفياً، جاعلةً الفلسفة مشروعاً غربياً بشكل حصري. وبالتبعية، قام بعض من أتباع كانط بتجريد الأنظمة الغير غربية من تاريخها الفلسفي، أبرزهم فيلهيلم غوتليب تينيمان في مؤلفه “تاريخ الفلسفة” (١٧٩٨-١٨١٩) المكون من ١١ مجلداً. أولئك الذين استمروا في إدراج الفكر الغير غربي في مؤلفاتهم كانوا في المجمل يفعلون ذلك من أجل إثبات أنه غير مؤهل لاعتباره فلسفة حقيقية.
في قلب هذا التغيير كان أحد الشخصيات المحورية في الفلسفة الأوروبية، إيمانويل كانط (١٧٢٤ – ١٨٠٤). سعى تلامذة كانط لإعادة كتابة تاريخ الفلسفة على أنه تمهيد تدريجي لفلسفة كانط النقدية، معتبرين أنها هي الهدف الذي كانت تسعى نحوه كل الفلسفات السابقة. ولتحقيق هذا، قاموا بوضع معايير، مستمدة من أعمال كانط، لما يمكن اعتباره أنه فلسفة، وبحركة واحدة، ضمنت هذه المعايير أن جميع الفكر الغير غربي لن يرقى لأن يكون فلسفياً، جاعلةً الفلسفة مشروعاً غربياً بشكل حصري. وبالتبعية، قام بعض من أتباع كانط بتجريد الأنظمة الغير غربية من تاريخها الفلسفي، أبرزهم فيلهيلم غوتليب تينيمان في مؤلفه “تاريخ الفلسفة” (١٧٩٨-١٨١٩) المكون من ١١ مجلداً. أولئك الذين استمروا في إدراج الفكر الغير غربي في مؤلفاتهم كانوا في المجمل يفعلون ذلك من أجل إثبات أنه غير مؤهل لاعتباره فلسفة حقيقية.
سعى تلامذة كانط لإعادة كتابة تاريخ الفلسفة على أنه تمهيد تدريجي لفلسفة
كانط النقدية، معتبرين أنها هي الهدف الذي كانت تسعى نحوه كل الفلسفات
السابقة
كانط بنفسه قد وافق شخصياً على هذه المساعي لإعادة كتابة تاريخ الفلسفة. في حقيقة الأمر، قد قام هو نفسه بشيءٍ مشابه حين عَرَض تاريخ الفلسفة كجزء من محاضراته في المنطق في فترة الـ ١٧٨٠. في هذه المحاضرات، قام بتعريف الإغريق على أنهم هم مؤسسي الفلسفة، وقام بنبذ أنظمة الثقافات الأخرى باعتبارها غير فلسفية على الإطلاق أو كـ “لَعِب الأطفال” مقارنةً بالإغريق. كما أوضح بيتر ك. ج. بارك في كتابه “إفريقيا وآسيا وتاريخ الفلسفة” (كتاب لم يتم مراجعته من قِبَل أي مجلة فلسفية)، هذا تلاقى بشكل مثالي مع الأيديولوجية العنصرية التى نماها كانط في كتاباته الأنثروبولوجية. وفقاً لكانط، ينقسم الإنسان إلى أربعة أنواع متباينة، ذات مستويات انحدارية في القدرة والقدر: (١) ذوي البشرة البيضاء، الذين لديهم كل المواهب والقوى الدافعة، (٢) الآسيويين، القابلين للتعليم ولكن ليس في المفاهيم المجردة الضرورية للفلسفة، (٣) الأفارقة، الذين يمكن تعليمهم ولكن فقط كخدم، و (٤) السكان الأصليين لأمريكا، الغير قابلين للتعليم على الإطلاق. ولذلك، فقط الأوروبيين ذوي البشرة البيضاء يمكنهم التفلسف، جاعلاً فكرة أن الفلسفة يجب أن تكون قد نشأت في أوروبا وليس في مكانٍ آخر غير مفاجئة. نسخة أخرى من هذه الفكرة قدمها فريدريك أوغوست كاروز في كتابه “أفكار عن تاريخ الفلسفة” (١٨٠٩)، وهي أن الإغريق كانوا يمتلكون “عبقرية إبداعية” فطرية لا يشاركهم فيها باقي البشر، وهي السبب وراء إزهار الفلسفة هناك وليس في مكانٍ آخر.
بالرغم من أن مؤرخي الفلسفة اللاحقين لم يشاركوا أتباع كانط في رؤيتهم أن أجيالاً من الفلاسفة كانت تتخبط ببطء نحو فلسفته، إلا أنهم قد تبنوا العديد من المبادئ التي استخدمها كانط وتلامذته في كتابة تاريخ الفلسفة. وبالتالي، سرعان ما أصبحت حقيقة مقبولة أن الفلسفة إغريقية الأصل، أنها نشأت من عبقرية فطرية لا تمتلكها شعوب أخرى، وأن أي أفكار أخرى غير غربية هي غير مؤهلة ﻷن تكون فلسفة حقيقية على الإطلاق. كل هذه الأفكار المتكررة يمكن العثور عليها في محاضرات هيغل عن تاريخ الفلسفة، والتي ألقاها في الفترة ما بين عام ١٨٠٥ وعام ١٨٣١. في محاضراته الأولى، كان هيغل يعامل الفكر الشرقي بفجاجة على أنه مادة تمهيدية، مُصِرَّاً أنه لا يستحق مكاناً حقيقياً في تاريخ الفلسفة. أما بعد ذلك في محاضراته اللاحقة، فقد كَرَّس المزيد من المساحة للمَشرِق وفكره، ولكنه كان لا يزال يتعامل معه على أنه تمهيد لتاريخ الفلسفة، وكان لا يزال مُصِرَّاً أنه لم يكن فلسفة حقيقية، مصمِّمَّاً – كالعديد من أتباع كانط من قبله – أنه من أجل أن يصبح أي نظام فكري مؤهلاً لاعتباره فلسفة حقيقية، عليه أن يكون مستقلاً عن الدين.
نتيجة كل ذلك أنه، منذ أواخر القرن الـ١٨ حتى منتصف القرن الـ٢٠،
ماضي الفلسفة، كما تم عرضه في العديد من كتب تاريخ الفلسفة،
تم حرفياً طلاؤه باللون الأبيض
لويد ستريكلاند
مترجم عن مقال: How Western Philosophy Became Racist